هذا الكتاب تحقيقٌ لرسالة الردّ على الدهريين لجمال الدين الأفغاني، وهو من الكتب المهمّة، التي صدرت في نهاية القرن التاسع حين أخذت الدول الاستعماريّة الكبرى ببثّ الأفكار الداعية إلى تغيير نمط الحياة في العالم الإسلاميّ، وتبنّي المقولات الغربيّة حول الثقافة والسياسة والاقتصاد والاجتماع. تبرز أهميّتها في أنّها تتمثل في كونها رصد مبكر لعملية الغزو الثقافي، وما تحمله في طيّاتها من عملية تدمير ممنهجة لهوية الشعوب.
يشكّل هذا الكتاب على صغر حجمه مادّةً علميّةً جديدة، تحاول التأسيس لتاريخ جديد للفلسفة، يفترق عمّا هو متعارف عليه وشائع، فالكاتب هنا تقمّص صورة الرسّام، فنقل مشهديّة الفلسفة عبر ذوقه الخاص ورسم لوحته بحسب رؤيته.
فـ«جيورجيو كولي» عمل عبر هذا الكتاب على تقويض ما هو سائد، ورفض القوالب الجاهزة التي تؤخذ كمسلّمات، وعمل على قلب رؤيتنا للفلسفة، فلم تعد تنتمي إلى العقلانيّة اليونانية، بل هي لا تمتّ بصلة لها، لأنّها أسّست في معابد الآلهة وفي معارج الحكماء، وكانت عبارة عن كلام شفاهيّ، يحمل في طيّاته الإسرار، حتى إذا ما جاء أفلاطون نقلها إلى الكتابيّ وأعطاها شكلها الحاليّ، ثم تلاه أرسطو، وسار على خطاه، بل إنه نقم عليه بخطوة عندما وضع تاريخًا جديدًا للفلسفة، يبدأ مع الفلاسفة الطبيعيّين. وهذا الاصطناع لتاريخ موهوم ضلّل الأصول وعمل على تعميتها.