مجموعة مقالات خطتها أيدي أساتذة متخصّصين في الفلسفة الإسلاميّة، يطرحون فيها جملة مساءلات لمفهوم الوجود، سعيًا منهم إلى ترتيب مباحث في واقعيّته على ذلك.
لا يمكن للباحث في علم الكلام أن يتغاضى في قراءته لسياقات بناء المنظومة الكلاميّة الإسلاميّة عن دور الشيخ الطوسي وموقعيّته في هذا الإطار، فقد لعب الشيخ في هذا المضمار دورًا مهمًا ومركزيًّا مشهودًا، إذ يعتبر الباحثون أنّ إليه وإلى أستاذَيه المفيد والمرتضى يرجع الفضل في تشييد أركان الفكر الكلاميّ الإماميّ وبلورة طروحاته، في مختلف مواضيعه ومسائله.
ولئن كان دور الشيخ الطوسي في هذا المضمار على هذا المستوى من الأهميّة، فإنّ طروحاته الكلاميّة لم تحظَ – كأنظومة متكاملة – بالاهتمام الكافي من الباحثين المعاصرين، فإنّك قد لا تجد في الأعمال البحثيّة الكلاميّة أيّ معالجة خاصّة بفكر الرجل الكلامي، بل الأمر مقتصر على بعض الأبحاث المجتزأة التي لا تفي بالمطلوب.
ومن هنا، فقد سعى المؤلّف في هذا الكتاب إلى جمع النظريات كلّها التي تشكّل مدرسة الشيخ الطوسي الكلاميّة، ولم يقتصر في عمله هذا على تجميع آراء الشيخ وطرحها فقط، بل عمد في كل أبواب الدراسة إلى البحث في جذور الخلفيّة الفكريّة التي ينتمي إليها الطوسي، وإجراء بعض المقارنة مع من عاصره من المتكلّمين، ليتسنّى بذلك للقارئ الوقوف على بحث تحليلي مقارن مكتمل العناصر في ما يتعلق بالمنظومة الكلاميّة للشيخ الطوسي.
نشهد اليوم في الأوساط العلميّة والأكاديميّة تداولًا واسعًا وحضورًا فاعلًا لمسائل نظريّة المعرفة وقضاياها، لأسباب ودوافع مختلفةٍ. ولمّا كانت تلك المسائل والقضايا تشكّل الأساس المعرفيّ لجميع العلوم، فقد وقع تحت تأثيرها غير واحدٍ من المقولات والمعتقدات كالمعارف الدينيّة والأخلاقيّة. ومن هنا كان التوافر على مبنًى علمي معقولٍ فيها ضمانًا لسلامة المنظومة الفكريّة والدينيّة والأخلاقيّة للبشر كافّةً.
إلّا أنّ ما يؤسف له أشدّ الأسف أنّ أوساطنا العلميّة والجامعيّة – لمكان تطوّر حركة الترجمة في نظريّة المعرفة الغربيّة – باتت أكثر معرفةً بها من نظريّة المعرفة الإسلاميّة، كما يُلاحظ ذلك بوضوحٍ بين طلبة الفلسفة وسائر الاختصاصات العلميّة ذات الصلة.
ولعلّ السبب في نشوء هذه الإشكاليّة يرجع إلى قلّة المصادر الإسلاميّة في هذا المجال، كما هو واضحٌ.
بين يديّ القارئ محاولةٌ غرضها الاستجابة لحاجة الأوساط المعرفيّة إلى تبيين أصول هذه النظريّة، بالاستناد إلى المباني العقليّة والبرهانيّة القويمة، وبالاستمداد من أفكار الفلاسفة المسلمين وآرائهم، مع عرض أهمّ مباحثها على مستوى الدراسات الأوّليّة عرضًا منطقيًّا.